|
::: جاب الخــير والتيس الحلوب! ::: يوم :2017-12-28
|
|
جاب الخــير والتيس الحلوب! |
|
|
أفنى المفكران الجزائري والمغربي، محمد أركون، ومحمد
عابد الجابري، حياتهما في تفكيك العقل العربي والإسلامي، بمناهج
علمية حديثة، لتفسير الظاهرة الدينية في سياقها المقدس والزمني
والإيديولوجي، لكن لم يصلا أبد وهما من هما، إلى مرحلة الادعاء بأن
ما أنتجاه من عشرات الكتب ومئات المقالات العلمية الفكرية المبهرة، يصب
في الصحيح المطلق عن غيرهما من الجهود، لأنهما كان يدركان
أنهما أمام ظواهر غاص فيها المقدس، بالتراث والعادات والأعراف التي
هي منتج إنساني خالص، وبالتالي، من الصعب الحفر فيهما، بالسهولة
التي حدثت في حصة تلفزيونية تتناول قضايا المجتمع بطريقة هزلية
بمخرجات يقينية خلفت الكثير من الجدل!.
عاد المجتمع الجزائري الى الغوغائية المزدوجة،
لتنصب نفسها على أفواه الجزائريين، وتتناقش فيما بينها عن الدين بشكل
حاد كالعادة، بعيدا عن المختصين وأهل العلم سواء الشرعي أو الوضعي،
مما فتح المجال أمام الاستهزاء بالدين كطريقة لتمرير الأفكار، في حين
قابلها الغوغائيون بالشتائم والسباب من أجل فرض فكرتهم التي لم يكلفوا
عناء فهمها، فالذي حدث خلال الأيام الماضية في إحدى القنوات الخاصة
بالجزائر، يمثل نموذجا لما وصلت إليه حالة النقاشات الفكرية والدينية في
الجزائر، ومستوى الحوار الذي يخرج دائما من دائرة النقاش الهادئ إلى
دائرة الاتهامات والتصنيفات، سواء بالرجعية أو بالتفكير، فكيف نفسر
مثلا هجوم بعض الأشخاص الذين لا علاقة لهم لا بالعلم ولا بالدين، على
باحث لا يعرفون عنه سوى أنه حضر إلى حصة هزلية في قناة خاصة، بداعي
الدفاع عن الدين ضد أشخاص لا علاقة لهم لا بالدين ولا بأخلاق الإعلام.
ما يعاب عن سعيد جاب الخير في ذلك الموقف، هو أنه حضر حصة ينشطها
بعض الإعلاميين الشباب، الذين يحمل المجتمع الجزائري عنهم نظرة مسبقة
حول توجهاتهم، والتي برزت بشكل واضح من خلال طريقتهم من الاستهزاء
بالدين، وهذا الذي استفز الجزائريين، فهاجموا الباحث سعيد جاب
الخير، ووضعوه في نفس المستوى مع هؤلاء، رغم أنه مختص وباحث في
الشريعة الإسلامية، ومؤلف العديد من الكتب في هذا المجال، وأكاد
أجزم انه لا الذين استضافوا في تلك الحصة، سعيد جاب الخير، قرأوا له
كتبه، وقرأوا التراث الديني مثلما فعل، ولا الذين انتقدوه فعلوا
ذلك، وبالتالي، هناك ازدواجية في الجهل من الجانبين، وهذا هو الأمر
الذي سقط فيه الباحث حينما قبل الحضور في حصة غير وازنة إذا صنفناها
من الجانب المعرفي في عرف الإعلام، بل هي حصة ترفيهيمة تتناول
قضايا مثيرة في المجتمع، وهي بعيدة كل البُعد عن تفكيك مفاهيم كبيرة
ومصطلحات عظيمة متعلقة بالدين!، وبالتالي، حضور جاب الخير في هذه
الحصة كان خطأ جسيما، جعله يتساوى مع هؤلاء المنشطين للحصة الهزلية.
غوص جاب الخير في تبيان التناقضات الموجودة في بعض التراث الديني،
الذي تسعى حتى المملكة العربية السعودية نفسها إعادة قرائته، الذي
هو عبارة عن قيمة مقدسة يحترمها ويقدسها كل الجزائريون، لذلك من
البديهي أن ينتفضوا ضد القناة وضد الحصة وضد الحاضرين فيها بمن فيه
هو، فلا نستطيع أن نلوم هؤلاء المنتفضين سوى من باب أنهم لا يعرفون
الشخص الذي يهاجمونه، لأنهم مربوطون بعاطفة جياشة مع المقدس، وهذا
أمر طبيعي وعادي في جميع المجتمعات، فلو استهزئ مثلا بـ روث البقر
في الهند ، لانتفض الهندوس عن بكرة أبيهم ضد ذلك، باعتباره روثا
مقدسا، وبالتالي، كان يمكن مناقشة أفكار جاب الخير، في حصص ذات
مستوى فكري عال، على غرار الحصة الفكرية والثقافية المسماة
الجليس التي كان يقدمها ويعدها الإعلامي والأكاديمي، فضيل
بومالة في التلفزيون الجزائري خلال سنوات ماضية، وهي موجهة خصيصا
للنخبة، أو عبر مناظرة علمية قيّمة مثل التي سيناقش فيها الباحث سعيد
جاب الخير نفسه، في منتدى جريدة الحوار يوم السبت المقبل مع
الدكتور والباحث لخضر رابحي، كمحاولة منهما لتفكيك موضوع
النص الديني بين التقليد والحداثة . تتلخص كل محاولات خريج معهد
الفلسفة والشريعة بالجزائر، سعيد جاب الخير، في قراءة التراث الديني
بكثير من التمحيص والعقلانية، في مقولة ابن رشد الله لا يمكن
أن يعطينا عقولاً ويعطينا شرائع مخالفة لها ، لذلك تتجلى جل أبحاثه
وكتبه في هذا المجال، على غرار الطّرق الصّوفية في الجزائر،
دراسات وأبحاث ، و أبحاث في التصوّف والطّرق الصوفية ،
الزّوايا والمرجعية الدينية في الجزائر ، التصوف والإبداع ،
كما يحاول أن يفكّك سبب وجود ذلك العداء بين بعض التيارات المذهبية
على غرار السلفية، والتصوف، وبالتالي، يمكن القول أن سعيد جاب
الخير، ليس شخصا عاديا حتى يتهافت عليه الغوغاء ويتطاولون عليه،
بل هو باحث مجتهد جنى على نفسه لما حضر تلك الحصة الهزلية ، وفتح
المجال أمام من هب ودب لانتقاده والحط من قيمته العلمية. لذلك، فلا
المشرفون على الحصة مؤهلون للتحدث عن الدين، والتراث، ولا أولائك الذين
هاجموا جاب الخير في مستوى تخصصه حتى ينتقدوه بتلكم الحدة،
وبالتالي، على المفكرين والباحثين الذين يحترمون أنفسهم أن يجتنبوا
الحضور في مثل هذه الحصص احتراما لعلمهم ولملكتهم النقدية والإبداعية،
فلا يمكن لأي باحث أن يثبت أي شيء بطريقة علمية ممنهجة لأشخاص
وجمهور جله لا يقرأ، في المقابل، تجدونهم يصدقون جدا الخرافات
كإمكانية شفاء الناس من عدة أمراض بحليب تيس في غليزان، بعد أن
رقاهم بالحمر لسنوات بالرقية الشرعية!.
|
|
|
|
|
|
|
|
التعليقات المنشورة تعبر عن رأي
أصحابها
|
|
كن أول المعلقين
|
|